رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص اللبناني في مراحله النهائية -- Apr 17 , 2025 15
بعد انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان وتشكيل حكومة جديدة، بدأت ملامح الاستقرار السياسيّ بالظهور، ممّا أعاد النقاش حول ملف الأجور في القطاعين العام والخاص إلى الواجهة، بعدما طواه الإهمال في عهد الحكومة السابقة، التي لم تتجاوز قراراتها حدود التصريحات.
وبقيت الرواتب على حالها من دون أيّ تعديل يُذكر، رغم التضخم الاقتصادي واتساع الفجوة بين القطاعين.
عام 2024، تمّ اتخاذ قرار برفع الحد الأدنى للأجور للقطاع الخاص إلى حدود 18 مليون ليرة لبنانية أي نحو 200 دولار (على أساس دولار السوق السوداء 90000 ليرة لبنانية)، وذلك بعدما اجتمعت لجنة المؤشر والهيئات الاقتصادية ونقابات المهن الحرة مع وزير العمل آنذاك مصطفى بيرم.
واليوم، في الآونة الأخيرة، عاد الحديث عن هذا الموضوع، وذلك بعد ترؤس وزير العمل محمد حيدر اجتماعاً للجنة المؤشر للنظر في معالجة رواتب وأجور العاملين في القطاع الخاص، وأعلن عن عقد اجتماعات متتالية لمناقشة مواضيع عدّة، أبرزها درس إمكان رفع الحدّ الأدنى للأجور.
"مسافة واحدة"
في حديثٍ خاص لـ"النهار"، يؤكّد نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش، المشارك في اجتماعات لجنة المؤشر، أن "لا شك في أن وزير العمل الجديد محمد حيدر، يقف على مسافة واحدة بين أصحاب العمل والعمّال، إذ إن هناك قناعة عامة بصعوبة زيادة الأجور، لكن في نفس الوقت لا يمكن البقاء على هذا الحد الأدنى للأجور".
ويُشير إلى وجود اجتماعات جانبية تهدف إلى التوصّل إلى نقاط مشتركة بين جميع الأطراف.
يشدّد بكداش على أن "هدف اجتماعات لجنة المؤشّر هو التطرّق إلى مسألة الراتب وبدل النقل والمنح المدرسية"، لافتاً إلى تحمّل المسؤولية في هذا المجال، بسبب "تقصير الدولة تجاه شعبها والعمال على مدى أربعين عاماً".
كما يُبرز "نقطة مهمّة تتعلّق بموضوع نهاية الخدمة"، ويؤكّد: "نعمل على الوصول إلى أرضية مشتركة لحلّ هذه المشكلة". ويؤكد أنه "لا يوجد رقم محدد بعد لرفع الحد الأدنى للأجور، لكنه سيرتفع حتماً".
ويتطرّق بكداش إلى مشكلبة أخرى، وهي أن الحد الأدنى في بيروت يختلف تماماً عنه في الجنوب والبقاع، نتيجة تداعيات الحرب، مشيراً إلى أن "هناك أصحاب عمل متضرّرون لا يستطيعون زيادة الرواتب".
"لا فساد في الحكومة"
وعن خطوة وزير العمل باتجاه رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، يشير بكداش إلى أن "لا شك في أن مؤهلات الوزراء في هذه الحكومة عالية، وقد تمّ وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وهذا ما يمنحنا أملاً".
ويضيف في حديثه: "أنا متأكّد بنسبة 99% من أن الفساد لن يكون حاضراً في هذه الحكومة"، مشيراً إلى قِصر مدّتها الزمنية، التي لا تتعدّى السنة وشهرين، وذلك "في ظل إرثٍ كبير من الفساد المتراكم".
وفي ختام حديثه، يعيد بكداش التأكيد على أن "العمل جارٍ لاتخاذ قرار توافقي لا يضرّ بصاحب العمل ولا بالعامل"، مطالباً بـ"ضرورة توفير مستشفيات ومدارس حكومية تضاهي مثيلاتها في القطاع الخاص، بالإضافة إلى أهمية وجود نظام نقل مشترك فعّال".
"أرقام تلبي حاجات الجميع"
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنيس بو دياب، الذي يُشارك أيضاً في اجتماعات لجنة المؤشر، أن "الاجتماعات التي تُعقد إيجابية، خصوصاً أنها تشمل لقاءً مع وزير العمل الجديد محمد حيدر"، مشيراً إلى "محاولة تنظيم عمل المؤسسات في داخل اللجنة، عبر تثبيت موعد لقاء دوري لا يقلّ عن مرة شهرياً أو كل شهرين، بهدف إعادة النظر في الرواتب".
وأوضح في حديثٍ خاص لـ"النهار" بأن "الحد الأدنى للأجور يُقرّ في مثل هذه الاجتماعات التي نشهدها اليوم"، مضيفاً: "ولاحقاً، هناك حاجة إلى إصدار مرسوم من وزارة العمل، يُعرض على مجلس الوزراء للموافقة عليه".
وتحدّث بو دياب عن اجتماعات لجنة المؤشر، مشيراً إلى "توافق بين الأطراف المجتمعة على أن الحد الأدنى الحالي للأجور هو دون خط الفقر، ويجب رفعه"، لافتاً إلى أن "التريث في اتخاذ القرار هدفه عقد اجتماعات مكثفة بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، بمساهمة رئيس المجلس الاقتصادي، للوصول إلى أرقام واضحة تلبي من جهة مطالب الاتحاد العمالي، ومن جهة أخرى قدرات الهيئات الاقتصادية".
وتابع: "لا يمكن الحديث عن لبنان وكأنّه يقتصر على بيروت وجبل لبنان حيث توجد حركة اقتصادية مقبولة نسبياً، في حين أن نحو 40% من المؤسسات معطّلة في جنوبي لبنان والضاحية الجنوبية والهرمل وبعلبك"، مشدّداً على أنه "لا يمكن تحميل الهيئات الاقتصادية أعباء جديدة قد تؤدي إلى نتائج سلبية إضافية".
وأكّد بو دياب أن "هناك ضرورة لتحقيق توازن بين المطالب المرتفعة والإمكانيات المحدودة".
وتطرّق إلى متمّمات الراتب، مشيراً إلى أن "الضمان الاجتماعي سيرفع التعويض العائلي بنسبة 100%... وكذلك سيتم رفع منحة التعليم"، مجدداً تأكيده أنه "لا يوجد حتى الآن رقم محدد بشأن الحد الأدنى الجديد للأجور".
"سياسة دائمة"
يلفت عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى أنه "في بيروت وجبل لبنان، لا يوجد حدّ أدنى للأجور يعادل 200 دولار"، موضحاً بأن " أعباء المساهمة في الضمان الاجتماعي مرتفعة، وبعض المؤسسات تحاول أن توفّر لموظفيها تغطية ضمانية وتأمينية".
أما بالنسبة للهيئات الاقتصادية، فيشير بو دياب إلى أن "تعويضات نهاية الخدمة تشكّل عبئاً استثنائياً"، مشدّداً على أن "إقرار المراسيم التطبيقية المتعلقة بقانون التقاعد والحماية الاجتماعية، ودخولها حيّز التنفيذ، سيساهم في تخفيف هذا العبء".
وفي سياق آخر، يقول إنَّ "هناك تعويلاً على الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، التي من شأنها تحسين القدرة التنافسية"، كاشفاً عن أن "وزير العمل يتعامل بجدية مع مسألة العمالة الشرعية وضبط هذا الملف، كما أن الضمان الاجتماعي يعيد تفعيل الرقابة والتدقيق في داخل المؤسسات، خصوصاً في ما يتعلق بتسجيل الموظفين".
وأعرب بو دياب في ختام حديثه عن أمله في أن "تُعتمد سياسة أجور دائمة لا تستدعي التعديل المستمر"، كاشفاً أن "لجنة المؤشر ستصدر بياناً في 28 نيسان/ أبريل تعلن فيه عن رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص".
Traditional Lebanese cuisine
وفي ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها لبنان، يصبح رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص أمراً بالغ الأهمية لضمان تحسين مستوى معيشة العاملين وتحقيق التوازن بين حقوق العمال وقدرة أصحاب العمل.
وفي وقت تتراكم فيه التحديات، من الضروري اتخاذ قرارات توافقيّة تضمن استقرار السوق وتحفّز النمو الاقتصادي من دون التأثير السلبي على أي طرف، ليتمكن لبنان من النهوض مجدداً.